تميز الوضع السياسي في شمال إفريقيا حتى القرن 3 ق.م بوجود ممالك أمازيغية مستقلة، غير أن التوسع الروماني الذي وصل إلى أرض نوميديا في القرن 3 أخضع هذه الممالك لنفوذه حتى منتصف القرن الثاني الميلادي، ثم استعادت استقلالها بعد انهيار الإمبراطورية الرومانية... فما هي وضعية هذه الممالك الأمازيغية قبل السيطرة الرومانية عليها؟ وكيف خضعت للإمبراطورية الرومانية بين القرن 3 ق.م و 2 بعد الميلاد؟ ماذا كان مصيرهــا بعد انهيار الإمبريالية؟
الممالك الأمازيغية بين مرحلة الاستقلال والوحدة ومرحلة التبعية لرومــــا:
ـتأسست بشمال أفريقيا مملكة أمازيغية عند نهاية القرن الأول قبل الميلاد. واستفادت منطقة شمال أفريقيا، وخاصة نوميديا، من الوضع السياسي المتأزم بين الرومان والقرطاجيين حيث تحالفت بعض الممالك الأمازيغية إما مع الطرف الأول (الرومان) أو الطرف الثاني (القرطاجيين). وفي نهاية القرن 2 ق . م تمكن ماسينيسا من توحيد القبائل الأمازيغية من ليبيا الحالية حتى موريطانيا ووضع بذلك أسس الدولة الأمازيغية الموحدة ومنها عيّن عاصمة لحكمه وهي "سيرطا" وإصدار عملة وبناء مجموعة من المرافق ذات الصبغة الدينية والإدارية واتخاذ الأمازيغية شعارا لإفريقا. و في الجانب الاقتصادي اهتم بالفلاحة بالتجارة بين مملكة نوميديا والرومان أو القرطاجيين بعد ما تولى ميسيبسا عند نهاية النصف الأول من القرن 2 ق.م اهتم بدوره بتقوية التجارة. بعده تولى يوغورطا الذي اهتم بالجانب العسكري بغية تحصين الدولة و مقاومة الأهداف الاستعمارية للرومان كما تابع الإصلاحات الاقتصادية التي بدأها سلفه إلى أن تمكن الرومان من قتله أثناء محاولتهم ضم مملكة نوميديا. وبذلك تدخل المملكة الأمازيغية بشمال أفريقيا عهد الخضوع والتبعية لرومــا.
الخضوع لنفوذ رومــــا:
بعد أن تمكن الرومان من إخضاع مملكة نوميديا في عهد يـوبا الثاني أنشئت عاصمة جنوبية لمملكة روما يستقر بها مجلس يسير شؤون المدينة نيابة عن الدولة المركزية و اهتم يوبا الثاني بكل مقومات الدولة الرومانية في وليلي ومنها الفلاحة حيث جعل الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط مصدرا لتزويد روما بالحبوب واهتم بالصناعة وخاصة الصناعة الغذائية وبالجانب العلمي حيث استقطب عددا من العلماء والأطباء و المستكشفين الذين جابوا الشواطئ المحيطية حتى الجزر الكناري، وفي عهد خلفه "بطليموس" تم التوحيد النهائي للقبائل الأمازيغية تحت سلطة روما و صارت الدولة على نهج "يوبا الثاني" وعرفت في عهده تركيز الاقتصاد وظهور مجموعات أمازيغية في فلك الدولة الرومانية تتمتع بتسيير شبه ذاتي تحت حكم الأغالية.
الحكـــــم الرومـــــاني لشمـــــال أفريقــــيا
ـ اعتمد الرومان على القوة العسكرية لتوسعهم في شمال أفريقيا:
بدأ خضوع منطقة شمال أفريقيا لنفوذ الرومان بقضائهم على بقايا القرطاجيين ونفوذهم في المنطقة سنة 146 ق.م وأنشأوا بالمنطقة حصونا تعرف بـ”الليمس" كان دورها عسكريا بالدرجة الأولى حيث تعتبر حصنا متقدما للقوة العسكرية كما كان لها دور اقتصادي متمثلا في مراقبة الطرق التجارية وكونه مركزا للتبادل بين الرومان والقبائل الأمازيغية، وتتمثل الوسيلة الثانية التي اعتمدها الرومان في استماله القبائل الأمازيغية ومنحها بعض الامتيازات كالإعفاء من الضرائب حتى تبقى وفية لهم، وتتمثل الوسيلة الثالثة في وصول بعض الأمازيغيين إلى درجة الحصول على حق المواطنة الرومانية فسخرتهم بذلك لإخماد الثورات التي كانت تقوم بها قبائل أخرى غير موالية للرومان وانتهت هذه الوسائل من تمكن الدولة الإمبراطورية من بسط سيطرتها عند نهاية النصف الأول من القرن 1 م بهيمنتها على موريطانيا الطنجية والقيصرية ونوميديا وكل الممالك الأمازيغية بأفريقيا الشمالية .
- تمتعت الإرستقراطية الرومانية بشمال أفريقيا بامتيازات كثيرة:
تتكون طبقة الارستقراطيين من كبار ملاك الأراضي اللذين كانت المساحات الخاضعة لهم غير محدودة إلى درجة أن عددا قليلا منهم كان يملك كل أراضي شمال أفريقيا يستغلونها بطريقة غير مباشرة بواسطة العبيد بينما تقتصر مهمتهم على المناصب العليا في الدولة والجيش ويعيشون في قصور داخل مضيعاتهم ويعتبر القنص من أهم وسائل التسلية في حياتهم اليومية. وتميزت القصور التي يعيشون بها بطلاآتها المتنوعة الأشكال والألوان والفسيفساء مع و جود حاشية كبيرة تخدمه هو وزوجته، وتعتبر الهدايا التي يتلقاها من صغار الفلاحيين مصدرا مكملا لحياة الترف.
نــــهاية الحكــــــم الرومانـــي بشمـــال أفريقيـــا
استغلت القبائل الأمازيغية ضعف الإمبراطورية في بداية القرن 1 للثورة ضدها:
ـ تجددت مقاومة القبائل الأمازيغية عند بداية القرن الأول الميلادي، وتزعمها فرسان أمازيغ كانوا ضمن الجيش الروماني، ومن أشهرها الثورة التي قادها سنة 17 م تكفاريناس (جندي سابق في الجيش الروماني) ضد القوات الرومانية في نوميديا مستغلا في ذلك الطبيعة الصحراوية للمناطق الموجودة خارج "الليمس"، واستطاع أن يلحق عدة هزائم بالقوات الرومانية, وفي سنة 40 م قامت ثورة أخرى في موريطانيا الطنجية تمكن أثناءها من تسيير المراكز الرومانية، واضطر الإمبراطور إلى إرسال تعزيزات عسكرية لإخماد الثورة و مساعدة توسيع الديانة المسيحية داخل الإمبراطورية واعتناق العديد من الأمازيغ لها واتخاذها أساسا للدعوة إلى نبذ التفرقة واللامساواة والميز بين الطبقات المكونة للمجتمع الروماني، وخاصة بنية الأسياد وغيرهم فأدى ذلك إلى انفصال الكنيسة الأفريقية عن مثيلتها في روما وبذلك بدأت مرحلة الدعوة الدناثية التي شكلت الأساس للكنيسة الأفريقية مقابل الكنيسة الرومانية.
ـ تشكلت في شمال أفريقية و حوض البحر الأبيض المتوسط إمارات مستقلة عن نفوذ روما عند نهاية سنة 40ملادية
أدت النزعة الاستقلالية للقبائل والكنيسة الأفريقية و كذا الطبقات غير المواطنة داخل الإمبراطورية عند نهاية سنة 40م إلى حركة انفصالية واسعة توجت في أفريقيا لعودة العديد من القبائل إلى وضعها قبل التوسع الروماني بشمال أفريقيا وكون الأرستقراطيين محميات يقومون فيها بدور الدولة المركزية بعد أن انتهى نفوذها في المنطقة، وعند نهاية القرن الرابع يكون نفوذ رومــــــــا قد انحصر نهــــائيا عن المنطقـــــــة.
خـــاتمـــــــة:
استرجعت شمال أفريقيا استقلالها عن النفوذ الروماني عند بداية القرن الخامس الميلادي في شكل إمارات مستقلة لها أنظمتها الخاصة، لكن الونداليين وبعدهم البزنطيين عادوا إلى إخضاع شمال أفريقيا لنفوذهم الخاص حتى سنة 647م حيث بدأ الغزو العربي - الإسلامي لهذه المنطقة.
المصطلحات:
- ماسينيسا: ( 202/148 ق.م ) وهو أحد ملوك نوميديا عمل على توحيد القبائل الأمازيغية القاطنة بين منطقتي طرابلس ـ بليبيا الحالية ـ شرقا ...
ـ نوميديا: اسم يطلق وقتئذ على القسم الأوسط من أفريقيا الشمالية والممتد شرقا من الحدود القرطاجية حتى نهر ملوية غربا وتنقسم نوميديا بدورها إلى قسمين: نوميديا الشرقية أو “ماسولة “ ونوميديا الغربية أو “مازيسولة”, يفصل بينهما نهر الشليف الحالي.
تركيب الليمس:
وكان الليسم يقوم بـ 3 أدوار: دور عسكري باعتباره جهازا دفاعيا, و دور اقتصادي باعتباره سوقا للتبادل بين التجار الرومان والأمازيغ تحت رقابة الجيش, ودور ترابي باعتباره يفصل بين مناطق الامتداد الروماني والعالم الأمازيغي المستقل عن الهيمنة الأجنبية
الممالك الأمازيغية بين مرحلة الاستقلال والوحدة ومرحلة التبعية لرومــــا:
ـتأسست بشمال أفريقيا مملكة أمازيغية عند نهاية القرن الأول قبل الميلاد. واستفادت منطقة شمال أفريقيا، وخاصة نوميديا، من الوضع السياسي المتأزم بين الرومان والقرطاجيين حيث تحالفت بعض الممالك الأمازيغية إما مع الطرف الأول (الرومان) أو الطرف الثاني (القرطاجيين). وفي نهاية القرن 2 ق . م تمكن ماسينيسا من توحيد القبائل الأمازيغية من ليبيا الحالية حتى موريطانيا ووضع بذلك أسس الدولة الأمازيغية الموحدة ومنها عيّن عاصمة لحكمه وهي "سيرطا" وإصدار عملة وبناء مجموعة من المرافق ذات الصبغة الدينية والإدارية واتخاذ الأمازيغية شعارا لإفريقا. و في الجانب الاقتصادي اهتم بالفلاحة بالتجارة بين مملكة نوميديا والرومان أو القرطاجيين بعد ما تولى ميسيبسا عند نهاية النصف الأول من القرن 2 ق.م اهتم بدوره بتقوية التجارة. بعده تولى يوغورطا الذي اهتم بالجانب العسكري بغية تحصين الدولة و مقاومة الأهداف الاستعمارية للرومان كما تابع الإصلاحات الاقتصادية التي بدأها سلفه إلى أن تمكن الرومان من قتله أثناء محاولتهم ضم مملكة نوميديا. وبذلك تدخل المملكة الأمازيغية بشمال أفريقيا عهد الخضوع والتبعية لرومــا.
الخضوع لنفوذ رومــــا:
بعد أن تمكن الرومان من إخضاع مملكة نوميديا في عهد يـوبا الثاني أنشئت عاصمة جنوبية لمملكة روما يستقر بها مجلس يسير شؤون المدينة نيابة عن الدولة المركزية و اهتم يوبا الثاني بكل مقومات الدولة الرومانية في وليلي ومنها الفلاحة حيث جعل الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط مصدرا لتزويد روما بالحبوب واهتم بالصناعة وخاصة الصناعة الغذائية وبالجانب العلمي حيث استقطب عددا من العلماء والأطباء و المستكشفين الذين جابوا الشواطئ المحيطية حتى الجزر الكناري، وفي عهد خلفه "بطليموس" تم التوحيد النهائي للقبائل الأمازيغية تحت سلطة روما و صارت الدولة على نهج "يوبا الثاني" وعرفت في عهده تركيز الاقتصاد وظهور مجموعات أمازيغية في فلك الدولة الرومانية تتمتع بتسيير شبه ذاتي تحت حكم الأغالية.
الحكـــــم الرومـــــاني لشمـــــال أفريقــــيا
ـ اعتمد الرومان على القوة العسكرية لتوسعهم في شمال أفريقيا:
بدأ خضوع منطقة شمال أفريقيا لنفوذ الرومان بقضائهم على بقايا القرطاجيين ونفوذهم في المنطقة سنة 146 ق.م وأنشأوا بالمنطقة حصونا تعرف بـ”الليمس" كان دورها عسكريا بالدرجة الأولى حيث تعتبر حصنا متقدما للقوة العسكرية كما كان لها دور اقتصادي متمثلا في مراقبة الطرق التجارية وكونه مركزا للتبادل بين الرومان والقبائل الأمازيغية، وتتمثل الوسيلة الثانية التي اعتمدها الرومان في استماله القبائل الأمازيغية ومنحها بعض الامتيازات كالإعفاء من الضرائب حتى تبقى وفية لهم، وتتمثل الوسيلة الثالثة في وصول بعض الأمازيغيين إلى درجة الحصول على حق المواطنة الرومانية فسخرتهم بذلك لإخماد الثورات التي كانت تقوم بها قبائل أخرى غير موالية للرومان وانتهت هذه الوسائل من تمكن الدولة الإمبراطورية من بسط سيطرتها عند نهاية النصف الأول من القرن 1 م بهيمنتها على موريطانيا الطنجية والقيصرية ونوميديا وكل الممالك الأمازيغية بأفريقيا الشمالية .
- تمتعت الإرستقراطية الرومانية بشمال أفريقيا بامتيازات كثيرة:
تتكون طبقة الارستقراطيين من كبار ملاك الأراضي اللذين كانت المساحات الخاضعة لهم غير محدودة إلى درجة أن عددا قليلا منهم كان يملك كل أراضي شمال أفريقيا يستغلونها بطريقة غير مباشرة بواسطة العبيد بينما تقتصر مهمتهم على المناصب العليا في الدولة والجيش ويعيشون في قصور داخل مضيعاتهم ويعتبر القنص من أهم وسائل التسلية في حياتهم اليومية. وتميزت القصور التي يعيشون بها بطلاآتها المتنوعة الأشكال والألوان والفسيفساء مع و جود حاشية كبيرة تخدمه هو وزوجته، وتعتبر الهدايا التي يتلقاها من صغار الفلاحيين مصدرا مكملا لحياة الترف.
نــــهاية الحكــــــم الرومانـــي بشمـــال أفريقيـــا
استغلت القبائل الأمازيغية ضعف الإمبراطورية في بداية القرن 1 للثورة ضدها:
ـ تجددت مقاومة القبائل الأمازيغية عند بداية القرن الأول الميلادي، وتزعمها فرسان أمازيغ كانوا ضمن الجيش الروماني، ومن أشهرها الثورة التي قادها سنة 17 م تكفاريناس (جندي سابق في الجيش الروماني) ضد القوات الرومانية في نوميديا مستغلا في ذلك الطبيعة الصحراوية للمناطق الموجودة خارج "الليمس"، واستطاع أن يلحق عدة هزائم بالقوات الرومانية, وفي سنة 40 م قامت ثورة أخرى في موريطانيا الطنجية تمكن أثناءها من تسيير المراكز الرومانية، واضطر الإمبراطور إلى إرسال تعزيزات عسكرية لإخماد الثورة و مساعدة توسيع الديانة المسيحية داخل الإمبراطورية واعتناق العديد من الأمازيغ لها واتخاذها أساسا للدعوة إلى نبذ التفرقة واللامساواة والميز بين الطبقات المكونة للمجتمع الروماني، وخاصة بنية الأسياد وغيرهم فأدى ذلك إلى انفصال الكنيسة الأفريقية عن مثيلتها في روما وبذلك بدأت مرحلة الدعوة الدناثية التي شكلت الأساس للكنيسة الأفريقية مقابل الكنيسة الرومانية.
ـ تشكلت في شمال أفريقية و حوض البحر الأبيض المتوسط إمارات مستقلة عن نفوذ روما عند نهاية سنة 40ملادية
أدت النزعة الاستقلالية للقبائل والكنيسة الأفريقية و كذا الطبقات غير المواطنة داخل الإمبراطورية عند نهاية سنة 40م إلى حركة انفصالية واسعة توجت في أفريقيا لعودة العديد من القبائل إلى وضعها قبل التوسع الروماني بشمال أفريقيا وكون الأرستقراطيين محميات يقومون فيها بدور الدولة المركزية بعد أن انتهى نفوذها في المنطقة، وعند نهاية القرن الرابع يكون نفوذ رومــــــــا قد انحصر نهــــائيا عن المنطقـــــــة.
خـــاتمـــــــة:
استرجعت شمال أفريقيا استقلالها عن النفوذ الروماني عند بداية القرن الخامس الميلادي في شكل إمارات مستقلة لها أنظمتها الخاصة، لكن الونداليين وبعدهم البزنطيين عادوا إلى إخضاع شمال أفريقيا لنفوذهم الخاص حتى سنة 647م حيث بدأ الغزو العربي - الإسلامي لهذه المنطقة.
المصطلحات:
- ماسينيسا: ( 202/148 ق.م ) وهو أحد ملوك نوميديا عمل على توحيد القبائل الأمازيغية القاطنة بين منطقتي طرابلس ـ بليبيا الحالية ـ شرقا ...
ـ نوميديا: اسم يطلق وقتئذ على القسم الأوسط من أفريقيا الشمالية والممتد شرقا من الحدود القرطاجية حتى نهر ملوية غربا وتنقسم نوميديا بدورها إلى قسمين: نوميديا الشرقية أو “ماسولة “ ونوميديا الغربية أو “مازيسولة”, يفصل بينهما نهر الشليف الحالي.
تركيب الليمس:
وكان الليسم يقوم بـ 3 أدوار: دور عسكري باعتباره جهازا دفاعيا, و دور اقتصادي باعتباره سوقا للتبادل بين التجار الرومان والأمازيغ تحت رقابة الجيش, ودور ترابي باعتباره يفصل بين مناطق الامتداد الروماني والعالم الأمازيغي المستقل عن الهيمنة الأجنبية
0 التعليقات:
إرسال تعليق